الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} فيقال لهم يوم الحساب وظهور الحجة عليهم {أفلم تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ} في الدنيا من قبل رسلي وتحذركم من هول هذا الموقف {فَاسْتَكْبَرْتُمْ} عن الأخذ بها منهم {وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} 31 معتادين الإجرام حتى صارت ديدنا لكم لا يحتمل انفكاككم عنها (و) قد كنتم في الدنيا أيضا {إِذا قِيلَ} لكم {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث {حَقٌّ وَالسَّاعَةُ} هذه التي أنتم فيها الأن حق {لا رَيْبَ فِيها} أيضا {قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} ولم تلتفتوا إلى أن الذين أخبروكم بها هم رسل اللّه وأنهم يتكلمون عن اللّه وبأمر اللّه وجاوبتموهم بقولكم {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} بما تقولونه فلا نعتقده إلا توهما ولا نقول به إلا حدسا كأن الذين يعظونكم بذلك ليسوا بشيء وقد أكدتم تكذيبهم بقولكم {وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} 32 ما تقولونه وبقيتم شاكين بوجود هذه الحياة ومنكرين يوم الجمع هذا لأنه عندكم لا يعقل وإن ما لا يعقل لا يكون. ولم تعلموا أن أفعال اللّه لا تدرك. وأنها لا تقابل إلا بالخضوع لها. فانظروا الأن إلى ما كان منكم في الدنيا.قال تعالى: {وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا} في الدنيا وجزاؤه لأن العقوبة تسيء صاحبها وتقبح منه لذلك سميت سيئات ولما رأوها مجسمة أمامهم دهشوا {وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} 33 من أنواع العقاب الذي كان أخبرهم به رسلهم. إذ كانوا ينكرون ولا يصدقون ويسخرون بهم عند ما يذكرون لهم ذلك ويخوفونهم به {وَقِيلَ} لهم بعد إدخالهم النار وإحاطة العذاب بهم {الْيَوْمَ نَنْساكُمْ} فنترككم في هذا الشقاء ونجعلكم كالمنسيين بالنسبة لكم وهذا من باب المقابلة أي المتروكين لأن اللّه تعالى لا ينسى شيئا وذلك {كَما نَسِيتُمْ} في الدنيا {لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا} في الآخرة ولم تبالوا به ولم تصفوا لنصح أنبيائكم وإرشادهم لكم بالعودة إليه {وَمَأْواكُمُ} الذي تأو ون إليه للاستراحة وعند النوم هو {النَّارُ} لا راحة لكم ولا نوم فيها بل عذاب دائم مستمر {وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ} 34 يخلصونكم منها أو يمنعون عذابها عنكم {ذلِكُمْ} الجزاء الشاق والعذاب الذي لا يطاق {بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيات اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} بنعيمها الزائل وبهجتها المزخرفة وشغلكم حكامها عن الاعتراف بهذا اليوم.{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها} أبدا وقرئ بضم ياء {يخرجون} وفتحها وهو أحسن {ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} 35 يسترضون فلا يطلب منهم إرضاء ربهم والإيمان به وبالبعث والنبوة لأنه لا يقبل عذر فيه ولا توبة.والالتفات من الخطاب إلى الغيبة إيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم. وأن الخطاب للخزنة الذين نقلوهم من مقام المخاطبة إلى غيابة النار. والالتفات من أنواع البديع المستحسنة في الكلام.قال تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ} 36 إخبار مراد منه الأنشاء أي احمدوا ربكم أيها الناس ومجدوه وعظموه لأنه ربكم ورب كل شيء {ولهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فكبروه وعزروه وحق للرب أن يعظم ويمجد ويكبر ويحمد {وَهوالْعَزِيزُ} الغالب في الأنتقام من أعدائه البليغ في النصرة لأوليائه {الْحَكِيمُ} 37 في أحكامه وإحكامه.وقد ختمت هذه السورة بمثل ما بدئت به من الصفتين الجليلتين كما هو شأن كثير من السور. وتفيد هذه الصفات أن الكمال كله في القدرة والرحمة والحكمة ليس إلا للّه وأن لا متّصف بكمال هذه الصفات غير الإله العظيم الكبير في سمواته وأرضه. المتصرف بما فيهما. ويوجد سورتان مختومتان بهذه اللفظة. الحشر والتغابن. روى مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «العزّ إزاره والكبرياء رداؤه. فمن ينازعه عذبه».وأخرج الرقاق وأبو مسعود عنهما: «يقول اللّه عز وجل العزّ إزاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار».وهذا مخرج على ما تعتاده العرب في بديع استعارتهم. وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثوب. فيقولون شعاره التقوى ولباسه الزهد. فضرب اللّه عز وجل بالإزار والرداء مثلا له جل شأنه في انفراده في صفة الكبرياء والعظمة.وفي هذا إعلام بأنهما ليسا كسائر الصفات التي يتصف بها بعض المخلوقين مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما. وشبههما بذلك لأن المتصف بهما يشملأنه كما يشمل الرداء الإنسان. ولأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد. فكذلك اللّه تعالى لا ينبغي أن يشاركه فيهما أحد. لأنهما من صفاته اللازمة المختصة به وهذا. واللّه أعلم. وأستغفر اللّه. ولا حو ل ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم. وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى إله وصحبه وسلم. اهـ.
|